أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي ولد في سنة 450 هـ / 1058م، في بلدة جزيرة شقر من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس، وعاش في أيام ملوك الطوائف إبان دولة المرابطين، لكنه لم يتعرض لاستحاثهم، عكف على اللهو، وتعاطى الشعر والنثر فبرع فيهما، حتى أعجب به مواطنوه، وعدوه واحد عصره، أقلع في كهولته عن صبوته، وعكف على وصف الطبيعة، وتوفي فيها سنة 533 هـ / 1137م. وليست شقر جزيرة في البحر، وإنما هي بليدة بين شاطبة وبلنسية قيل لها جزيرة لإحاطة الماء بها. فقد كانت بلدته من أجمل بقاع الأندلس وأخصبها تربة. كانت أسرته على جانب من اليسار والاهتمام بالعلم والأدب مما جعل موهبته في نظم الشعر والكتابة تظهر في وقت مبكر.
كان نزيه النفس لا يتكسب بالشعر ولا يمتدح رجاء الرفد والعطاء وكان يعد أديب الأندلس وشاعرها بدليل ما وصفه به المقري في كتابه نفح الطيب. وكان رقيق الشعر أنيق الألفاظ غير أن ولوعه بالصنعة وتعمده الاستعارات والكنايات والتورية والجناس وغيرها من المحسنات المعنوية واللفظية جعل بعض شعره متكلفا، وأوقع بعضه في الغموض.
تفرد ابن خفاجة بالوصف والتصرف فيه، ولا سيما وصف الأنهار والأزهار، والبساتين والرياض والرياحين، فكان أوحد الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس بالجنان، أي البساتين، ولقبه الشقندي بصنوبري الأندلس. فالطبيعة إذا عند ابن خفاجة هي كل شيء، فقد شغف بها ومزج روحه بروحها وبادلها الشعور والإحساس، كان يتحدث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة وحركة. فابن خفاجة من شعراء الطبيعة ولعل ميزته هي في الكثرة لا في الجدة، وقد أكثر من صيغ شعره بألوان البيان والبديع من أستعارات وتشابيه وجناس وطباق، وقاده هذا الميل إلى التكلف، فاستغلقت معانيه أحياناً على القراء.
لإبن خفاجة قطع نثرية، تعمد فيها أسلوب ابن العميد والهمذاني من حيث السجع والتعمل، والتزام المحسنات اللفظية.
شعره
ركز ابن خفاجة في شعره على وصف الطبيعة و جمالها و راح يبرز الجمال المعنوي في صور مختلفة من الجمال اللفظي و قد وقف عند المناظر الحسية في إستيحاء أشعاره و من شعره قوله:يا أهل الأندلس لله دركم | ماء و ظل و أنهار و أشجار |
ما جنة إلا في دياركم | و لو تخيرت هذي كنت أختار |
إن للجنة بالأندلس | تجتلى عين و ريا نفس |
فسنا صبحتها من شنب | و دجا ليلتها من لعس |
يا رب ليل فيه معانقي | طيف ألم لظبية الوعساء |
فجمعت بين رضابه و شرابه | و شربت من ريق و من صهباء |
لاعب تلك الريح ذاك اللهب | فعاد عين الجد ذاك اللعب |
و بات في مسرى الصبا يتبعه | فهو لها مضطرم مضطرب |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق