الثلاثاء، 26 أبريل 2011

ابن حمديس

 

 أبومحمد عبدالجبار بن محمد بن حمديس الأزدي، من ألمع شعراء دول الطوائف بالأندلس. ولد في جزيرة صقلية في آخر أيام الحكم الإسلامي لهذه الجزيرة. تفتحت شاعريته منذ نشأته، ولكن لم يُذعْ ذكره ويشتهر، إلا بعد رحيله عن صقلية بعد سقوطها في يد النورمنديين. فارتحل ابن حمديس عام 471هـ، 1078م إلى الأندلس، قاصدًا بلاط المعتمد بن عباد بإشبيلية.

أصبح ابن حمديس الشاعر المقدم لدى ابن عباد، ولكن ذلك لم يطل؛ إذ استولى ابن تاشفين على أشبيلية، ونفى ابن عباد إلى قلعة أغمات بمراكش. فلحق به ابن حمديس، وظل ملازمًا له يُشجيه بأشعار تخفف وقع المأساة عليه.

وبعد وفاة ابن عبَّاد تنقَّل ابن حمديس بين المغرب والأندلس، حتى انتهى إلى جزيرة ميورقة شرقي الأندلس، فمكث فيها بائسًا يائسًا كفيف البصر حتى أسلم الروح.

وابن حمديس شاعر رقيق الحس؛ بسبب نشأته بين أحضان الطبيعة الساحرة في جزيرة صقلية. وقد أدت تلك النشأة إلى براعة الوصف في شعره وشدة العناية به. إلا أن فترة الاضطراب التي هبَّت رياحها على ابن حمديس بجزيرة صقلية أواخر حكم العرب، حرمته من أن يتملى جمال تلك البيئة، أو يحسن التعبير عنها، خلافاً لفترة إقامته ببلاط ابن عبَّاد بأشبيلية؛ حيث يبدو شاعرًا متفتحًا، يحذو حذو الشاعر القديم في تغنّيه بالطبيعة البدوية، والوقوف على الأطلال يحدثها حديثًا مؤثرًا.

ويبدو وصف الطبيعة، وهو أظهر الأغراض الشعرية لدى ابن حمديس، شديد الصلة بمجالس الخمر واللهو والمجون؛ ومن هنا غلبت على شعره تلك الأوصاف لطلوع الفجر في روضة تضوع عطرًا، ومغيب الشمس في ظلل من الغمام. وهو بين هذا وذاك يصف مسرح لهوه وشرابه.

ويعبِّر شعر ابن حمديس عن بيئة الأندلس التي تنقَّل الشاعر بين أرجائها، كما يعكس شيئًا من روح الابتكار والإبداع في شاعريته، وإن كانت روحه لم تخلُ من حزن عميق ونزعة للتأمل.

وإذا كان المدح هو الغرض الذي ربط بينه وبين ابن عبَّاد، فإنه مدْح لم يخل من كثرة الأوصاف ومن إضفاء قالب الطبيعة المحلية على تلك الأوصاف الجميلة، مع تشخيصها وبث الحركة فيها.

وقد برع ابن حمديس في وصف الطبيعة بشقيها الفطري والصناعي، وكان يتَّبع التفاصيل الدقيقة في لفظ رشيق مع عناية بإخراج لوحات شعرية منمقة. وهو في هذا المجال صنو لابن المعتز في المشرق ولابن خَفَاجة في الأندلس. وقد نفث ابن حمديس همومه في الطبيعة، ومتّع حسه وعقله بها، واستعان بجمالها ليبث شكواه، علّه يجد تعزية فيما حل بوطنه صقلية، وما حل بعد ذلك بأميره ابن عبَّاد.


ابن خفاجة






أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي ولد في سنة 450 هـ / 1058م، في بلدة جزيرة شقر من أعمال بلنسية إحدى عواصم الأندلس، وعاش في أيام ملوك الطوائف إبان دولة المرابطين، لكنه لم يتعرض لاستحاثهم، عكف على اللهو، وتعاطى الشعر والنثر فبرع فيهما، حتى أعجب به مواطنوه، وعدوه واحد عصره، أقلع في كهولته عن صبوته، وعكف على وصف الطبيعة، وتوفي فيها سنة 533 هـ / 1137م. وليست شقر جزيرة في البحر، وإنما هي بليدة بين شاطبة وبلنسية قيل لها جزيرة لإحاطة الماء بها. فقد كانت بلدته من أجمل بقاع الأندلس وأخصبها تربة. كانت أسرته على جانب من اليسار والاهتمام بالعلم والأدب مما جعل موهبته في نظم الشعر والكتابة تظهر في وقت مبكر.
كان نزيه النفس لا يتكسب بالشعر ولا يمتدح رجاء الرفد والعطاء وكان يعد أديب الأندلس وشاعرها بدليل ما وصفه به المقري في كتابه نفح الطيب. وكان رقيق الشعر أنيق الألفاظ غير أن ولوعه بالصنعة وتعمده الاستعارات والكنايات والتورية والجناس وغيرها من المحسنات المعنوية واللفظية جعل بعض شعره متكلفا، وأوقع بعضه في الغموض.
تفرد ابن خفاجة بالوصف والتصرف فيه، ولا سيما وصف الأنهار والأزهار، والبساتين والرياض والرياحين، فكان أوحد الناس فيها حتى لقبه أهل الأندلس بالجنان، أي البساتين، ولقبه الشقندي بصنوبري الأندلس. فالطبيعة إذا عند ابن خفاجة هي كل شيء، فقد شغف بها ومزج روحه بروحها وبادلها الشعور والإحساس، كان يتحدث إليها كما يتحدث إلى شخص ذي حياة وحركة. فابن خفاجة من شعراء الطبيعة ولعل ميزته هي في الكثرة لا في الجدة، وقد أكثر من صيغ شعره بألوان البيان والبديع من أستعارات وتشابيه وجناس وطباق، وقاده هذا الميل إلى التكلف، فاستغلقت معانيه أحياناً على القراء.
لإبن خفاجة قطع نثرية، تعمد فيها أسلوب ابن العميد والهمذاني من حيث السجع والتعمل، والتزام المحسنات اللفظية.

 شعره

ركز ابن خفاجة في شعره على وصف الطبيعة و جمالها و راح يبرز الجمال المعنوي في صور مختلفة من الجمال اللفظي و قد وقف عند المناظر الحسية في إستيحاء أشعاره و من شعره قوله:
يا أهل الأندلس لله دركمماء و ظل و أنهار و أشجار
ما جنة إلا في دياركمو لو تخيرت هذي كنت أختار
إن للجنة بالأندلستجتلى عين و ريا نفس
فسنا صبحتها من شنبو دجا ليلتها من لعس
يا رب ليل فيه معانقيطيف ألم لظبية الوعساء
فجمعت بين رضابه و شرابهو شربت من ريق و من صهباء
لاعب تلك الريح ذاك اللهبفعاد عين الجد ذاك اللعب
و بات في مسرى الصبا يتبعهفهو لها مضطرم مضطرب

ابن زيدون



أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، أبو الوليد المعروف بـابن زيدون (394هـ/1003م - أول رجب 463 هـ/4 أبريل 1071 م) شاعر أندلسي، برع في الشعر كما برع في فنون النثر، حتى صار من أبرز شعراء الأندلس المبدعين، كما تميزت كتاباته النثرية بالجودة والبلاغة، وتعد رسائله من عيون الأدب العربي.

ابن زيدون كان وزيرا، وكاتبا، وشاعر من أهل
قرطبة، انقطع إلى ابن جهور من ملوك الطوائف بالأندلس، فكان السفير بينه وبين ملوك الأندلس. اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد فحبسه، فاستعطفه ابن زيدون برسائل عجيبة فلم يعطف.

ويذكر الشاعر العراقي
فالح الحجية في كتابه الموجز في الشعر العربي: (أحب ابن زيدون الشاعرة والأديبة ولادة ابنة الخليفة المستكفي التي كانت تعقد الندوات والمجالس الادبية والشعرية في بيتها وبادلته حبا بحب وقد انشد في حبها الشعر الكثير شعرا فياضا عاطفة وحنانا وشوقا ولوعة وولها الامرالذي جعلنا نتغنى في شعره إلى وقتنا هذا وسيبقى خالدا للاجيال بعدنا حبا صادقا)

فهرب واتصل بالمعتضد صاحب
إشبيلية فولاّه وزارته، وفوض إليه أمر مملكته فأقام مبجلاً مقرباً إلى أن توفي بإشبيلية في أيام المعتمد على الله ابن المعتضد.

أشهر قصائده،
نونيته:أضحى التنائي بديلاً من تدانينا        وناب عن طيب لقيانا تجافينا

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا           شوقا إليكم ولا جفت مآقينا

يكاد حين تناجيكم ضمائرنا            يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

حالت لبعدكم أيامنا فغدت              سودا وكانت بكم بيضا ليالينا


من آثاره غير الديوان رسالة في التهكم بعث بها عن لسان "ولادة" إلى
ابن عبدوس وكان يزاحمه على حبها، وهي ولادة بنت المستكفي. وله رسالة أخرى وجهها إلى ابن جهور طبعت مع سيرة حياته في كوبنهاغن وطبع في مصر من شروحها الدر المخزون وإظهار السر المكنون.

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

ابن زهر




أبو مروان عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن مروان، (464-557هـ) = (1072 ـ 1162م)، المعروف بابن زهر الاشبيلي، طبيب نطاسي عربي معروف في الأندلس من أهل إشبيلية، من أسرة عريقة في العلم، اشتغل أبناؤها بالطب والفقه وتولوا الوزارة وهو أستاذ الفيلسوف ابن رشد.وكان معتدل القامة قوي البنية وصل إلى الشيخوخة ولم تتغير نضارة لونه وخفة حركاته وانما عرض له في آخر أيامه ثقل في السمع. كان ابن زهر يحفظ القرآن، وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه باللغة. لـه موشحات يغنى بها وهي من أجود ما قيل في معناها.
كان قوي الدين ملازماً لحدود الشرع محبا للخير مهيباً جريئاً فاق جميع الأطباء في صناعة الطب فشاع ذكره وطار صيته. خدم ابن زهر دولتي الملثمين والموحدين وذلك أنه أدرك دولة الملثمين ولحق بخدمتهم مع أبيه في آخر دولتهم ثم خدم دولة الموحدين وهم بنو عبد المؤمن وذلك أنه كان في خدمة عبد المؤمن هو وأبوه وفي أيام عبد المؤمن مات أبوه وبقي هو في خدمته ثم خدم ابن عبد المؤمن أبا يعقوب يوسف ثم ابنه يعقوب أبا يوسف الذي لقب بالمنصور، ثم خدم ابنه أبا عبد اللّه محمد الناصر وفي أول دولته توفي أبو بكر بن زهر. ألف أبو بكر بن زهر الترياق الخمسيني للمنصور أبو يوسف يعقوب.
كان المنصور صاحب الأندلس شديد الكراهية للفلسفة القديمة فأمر أن لا يشتغل بها أحد وأن تجمع كتبها من الأيدي وأشاع أن من وجد عنده شيء منها نالـه ضرر فصدع ابن زهر بالأمر وقام بما عهده إليه ولكن كان بإشبيلية رجل يكرهه جد الكراهية فعمل محضرا وأشهد عليه جمهورا من الناس بأن الحفيد أبا بكر بن زهر لديه كثير من كتب المنطق والفلسفة وأنه دائم الاشتغال بها ورفع المحضر إلى المنصور فلما قرأه أمر بالقبض على مقدمه وسجنه ثم قال واللّه لو شهد جميع أهل الأندلس على ما فيه ووقفوا أمامي وشهدوا على ابن زهر بما في هذا المحضر لم أقل قولة لما أعرفه من متانة دينه وعقلـه.
كانت للحفيد أبو بكر بن زهر أخت عالمة بصناعة الطب تعالج النساء وكان لها بنت مثلها في الصناعة وكانتا تعالجان نساء المنصور صاحب الأندلس. كان لابن زهر شعر جيد منه قوله يتشوق إلى ولده:

ولي واحد مثل فرخ القطاصغير تخلف قلبي لديه
نأت عنه داري فيا وحشتيلذاك الشخيص وذاك الوجيه
تشوقني وتشوقتهفيبكي علي وأبكى عليه
وقد تعب الشوق ما بيننافمنه إلّي منّي إليه
كان لأعماله أثر كبير في تطور الطب في أوروبا فيما بعد. من مؤلفاته المترجمة إلى اللاتينية؛ التيسير في المداواة والتدبير، وقد وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية.